الأحد، 20 أكتوبر 2013

امرأة لا تقرأ و لا تكتب





ليست جاهلة رغم كونها لا تعرف القراءة و الكتابة
إنها تتحدث بلغة لم يصل إليها أساتذة الجامعة
لها فلسفة خاصة بها
و لكنها متوائمة مع واقع الحياه
تعبر عن أعقد المشكلات
في أبسط التعبيرات و أقصر العبارات
من ينصت إليها يشعر أن كلماتها حكم
استخلصتها من تجاربها في الحياة
و نظرتها الدقيقة لتجارب غيرها
إذا سردت عليك حكايتها
ربما ترفع لها القبعة تقديراً و تثني على شجاعتها و عقلها و علمها
و ربما لا تصدق سردي و تقول مٌغاليه مبالغة
و ربما تبكي إذا تذوقت بعض المرار الذي تجرعته على مر حياتها
إذا سألت أغلب الناس ما هي أسعد اللحظات في حياتك
سيجيب (طفولتي )
فما بالك بها تلك الطفلة البالغة خمسة أعوام
لا تعرف عن الحياة قليلا أو كثيراً
كل ما تعرفه هو دارها البسيطة
بناها أيوها بالطوب اللبن
تتكون من حجرتان واحدة بسقف و أخرى بدون
لا تعرف شيئا عن الأسرة و الأغطية التي نعرفها اليوم
تنام فوق ( الإياس ) و تتدثر و اخوتها بقطعة قصيرة من الخيش
أما عن ثيابها فلا ترتدي في العام سوى ثوب واحد من القماش الدمور
هي لم تكن الإبنة الكبرى أو الصغرى
كان يكبرها صبي و ثلاث بنات
و يصغرها بنتان
و كان من عادات قريتها أنهم لا يدعون الإناث يتعلمن
بل العلم للذكور
و المال للذكور
و الإناث أيضا للذكور
و الحياة كلها للذكور

كانوا كمن يصفهم الله في كتابه العزيز:
((وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ{59} ))النحل.
فالإناث بعد مولدهم ينتظرون موتهم
أما الذكور فلو استطاعوا أن يخلقوا لهم حياة و عمرا لخلقوا
ونمت هي بين كل هذه التقاليد المتخلفة
و الحياة الجافة القاسية
فلا تشعر بحنان أو أمان
و لا ترى أمل
و لا ترى عدل
و لا ترى رحمة
الكل يعاملها بقسوة
كأنها لم تُخلق إلا للعمل الشاق
في الأرض و الدار
رغم أن لها أخوات أخريات
و لكن العمل مكدس عليها و عليهم
فقبل أن تستيقظ الشمس تصحو الجميلات
للعمل الذي لا ينتهي إلا بعد أن تنتهي الشمس من عملها و تذهب لتنام
قضت عشرها الأُول هكذا
حتى وصلت الطفلة البريئة في نظرهم إلى عمر الزواج
لم تكن في العشرين من عمرها و الخامسة عشر
و انما لم تتجاوز الحادية عشر بعد
لم تكن تعرف ما هو الزواج و ماهي الأسرة
و ما هم الأبناء
و تزوجت ابن عمها
و أنجبت ذكرين و ثلاث إناث
رغم سنها الصغير
إلا أن عقلها كبير
يزن الأمور بميزان الذهب
إلا أنها كانت ذات ثقافة واسعة
و فلسفة راقية
رغم قسوة زوجها
و معاملته المهينة لها و لأولاده
إلا أنها كانت صابرة
مما يجعلك تتعجب من صبرها على ما لا يطيقه بشر
من ضيق عيش و معاملة حيوانية
و طباع قاسية و كلمات جارحة
حتى توفي زوجها بعد عشر أُخر
و ترك أصغر أبنائه طفلة رضيعة في شهرها السادس
إنها الآن امرأة في عقدها الثاني
جميلة بل أجمل نساء القرية
و لديهل خمس أحمال
أكبرها ابنها الكبير و عمره تسعة أعوام
و أصغرها الرضيعة و عمرها ستة أشهر
كيف لها أن تدبر نفقات أسرتها
و كيف ستربيهم وحدها
و كيف تُبعد عنها الذئاب
و كيف ستكتم نباح الكلاب
و لكن لم تكن وحدها
فمعها الله
فهي الصابرة المخلصة المؤمنة التقية
و أم الأيتام
و من معه الله كفاه
بارك الله في أرضها
و هدى لها أبنائها
و فتح الله عليهم و بهم
تشارك ابنتها الصغرى فرحتها بتخرجها
و انهائها لدراستها الجامعية
و كل أبنائها أكملوا تعليمهم العالي ذكورا و اناثا
و كسرت المرأة القوية تقاليد قريتها المتحجرة
و أصبحت السيدة الجاهلة أماً لذكور و اناث
في أعلى مراحل الدين و العلم و الأدب ..........

ليست هناك تعليقات: